خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام أمام الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك حين فرغ من جمع القرآن، مقطع الشاهد:
(... ولئن تقمصها دوني الاشقيان - يقصد أبا بكر وعمر - ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ماعليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهّدا، يتلاعنان في دورهما ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا إلتقيا: ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، فيحيبه الأشقى على رثوثة: يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد أضللتني عن الذِكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا، فأنا الذِكر الذي عنه ضَلّ والسبيل الذي عنه مال والايمان الذي به كُفَر والقرآن الذي إياه هُجر والدين الذي به كُذِّب والصراط الذي عنه نُكِب، ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شرّ ورود، في أخيَب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة ، مالهما من راحة ولاعن عذابهما من مندوحة، إن القوم لم يزالوا عبّاد أصنام وسدنة أوثان، يقيمون لها المناسك وينصبون لها العتائر ويتخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ويستقسمون بالأزلام عامهين عن الله عزّ ذكره حائرين عن الرشاد، مهطعين إلى البعاد، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة واسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدّقه، فتبوؤوا العَزّ بعد الذلّة والكَثرة بعد القلّة وهابتهم القلوب والابصار وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة وأمنٍ بعد خوف وجمعٍ بعد كوف (أي تفرّق) وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان وأولجناهم باب الهدى وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الايمان وفلجوا بنا في العالمين وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد ومصلًّ قانت ومعتكف زاهد، يُظهِرون الامانة ويأتون المثابة حتى إذا دعا الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وآله ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الاعقاب وانتكصوا على الادبار وطلبوا بالاوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا الديار وغيروا آثار رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبوا عن أحكامه وبعدوا من أنواره واستبدلوا بسمتخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله ممن اختار رسول الله صلى الله عليه وآله لمقامه وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الانصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف، ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الاسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله مضى ولم يستخلف فكان رسول الله صلى الله عليه وآله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الاسلام وعن قليل يجدون غبّ ما أسّسه الاولون ولئن كانوا في مندوحة من المهل وشفاء من الاجل وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور وسكون من الحال وإدراك من الامل فقد أمهل الله عز وجل شدّاد بن عاد وثمود بن عبود وبلعم بن باعور وأسبغ عليهم نِعَمه ظاهرة وباطنة وأمدّهم بالاموال والأعمار وأتَتْهم الارض ببركاتها ليذكروا آلاء الله وليعرفوا الإهابة له (أي كالصياح عليهم ليمتثلوا) والانابة إليه ولينتهوا عن الإستكبار فما بلغوا المُدة واستتَمّوا الأكلة أخذهم الله عزوجل واصطلمهم (أي استئصلهم) فمنهم من حُصِب (أي من حصا من السماء) ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أحرقته الظُّلة ومنهم من أودته الرجفة(أي الزلزلة) ومنهم من أردته الخسفة (أي ابتلعته الارض) " وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " ألا وإن لكل كتابا فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون وآل إليه الاخسرون لهربت إلى الله عزوجل مما هم عليه مقيمون وإليه صائرون، ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون وكبَاب حِطّة في بني إسرائيل وكسفينة نوح في قوم نوح، إني النبأ العظيم والصدّيق والاكبر وعن قليل ستعلمون ماتوعدون وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب وخفقة الوسنان (أي أول النوم)، ثم تلزمهم المعرّات خزيا في الدنيا ويوم القيامة يُرَدّون إلى أشد العذاب وما الله بغافلٍ عما يعملون فما جزاء مَن تنكبّ محجّته؟ وأنكر حُجّته، وخالف هداته وحادّ عن نوره واقتحم في ظلمه واستبدل بالماء السراب وبالنعيم العذاب وبالفوز الشقاء وبالسرّاء الضرّاء وبالسَعة الضَنك، إلا جزاءً اقترفه وسوء خلافه فليوقنوا بالوعد على حقيقته وليستيقنوا بما يوعَدون،.... )
لقراءة خطبة الوسيلة كاملة على الرابط: